سورة يونس - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{ثم بعثنا من بعده} يعني من بعد نوح {رسلاً إلى قومهم} لم يسم هنا من كان بعد نوح من الرسل وقد كان بعد نوح هود وصالح وغيرهما من الرسل {فجاؤوهم بالبينات} يعني بالدلالات الواضحات والمعجزات الباهرات التي تدل على صدقهم {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل} يعني أن أولئك الأقوام والأمم التي جاءتهم الرسل جروا على منهاج قوم نوح في التكذيب ولم يزجرهم ما جاءتهم به الرسل ولم يرجعوا عما هم فيه من الكفر والتكذيب {كذلك نطبع على قلوب المعتدين} يعني مثل إغراقنا قوم نوح بسبب تكذيبهم نوحاً كذلك نختم على قلوب من اعتدى وسلك سبيلهم في التكذيب.
قوله عز وجل: {ثم بعثنا من بعدهم} يعني من بعد الرسل {موسى وهارون إلى فرعون وملئه} يعني أشراف قومه {بآياتنا فاستكبروا} يعني عن الإيمان بما جاء به موسى وهارون {وكانوا قوماً مجرمين} يعني مستكسبين للإثم {فلما جاءهم الحق من عندنا} يعني فلما جاء فرعون وقومه الحق الذي جاء به موسى من عند الله {قالوا إن هذا لسحر مبين} يعني أن هذا الذي جاء به موسى سحر مبين يعرفه كل أحد {قال موسى أتقولون للحق لمَّا جاءكم أسحر هذا} فيه حذف تقديره أتقولون للحق لما جاءكم هو سحر أسحر هذا فحذف السحر الأول اكتفاء بدلالة الكلام عليه ثم قال أسحر هذا وهو استفهام على سبيل الإنكار يعني أنه ليس بسحر ثم احتج على صحة قوله فقال {ولا يفلح الساحرون} يعني حاصل السحر تمويه وتخييل وصاحب ذلك لا يفلح أبداً {قالوا} يعني قال قوم فرعون لموسى {أجئتنا لتلفتنا} يعني لتصرفنا وتلوينا {عما وجدنا عليه آباءنا} يعني من الدين {وتكون لكما الكبرياء} يعني الملك والسلطان {في الأرض} يعني في أرض مصر والخطاب لموسى وهارون.
قال الزجاج: سمي الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا {وما نحن لكما بمؤمنين} يعني بمصدقين {وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم} يعني أن فرعون أراد أن يعارض معجزة موسى بأنواع من التلبيس أن ما أتى به موسى سحر {فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون} إنما أمرهم موسى بإلقاء ما معهم من الحبال والعصي التي فيها سحرهم ليظهر الحق ويبطل الباطل ويتبين أن ما أتوا به فاسد.


{فلما ألقوا} يعني ما معهم من الحبال والعصي {قال موسى ما جئتم به السحر} يعني الذي جئتم به هو السحر الباطل وهذا على سبيل التوبيخ لهم {إن الله سيبطله} يعني يكمله ويظهر فضيحة صاحبه {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} يعني لا يقويه ولا يكمله ولا يحسنه {ويحق الله الحق} يعني ويظهر الله الحق ويقويه ويعليه {بكلماته} يعني وعده الصادق لموسى أنه يظهره وقيل بما سبق من قضائه وقدره لموسى أنه يغلب السحرة {ولو كره المجرمون}.
قوله سبحانه وتعالى: {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه} لما ذكر الله عز وجل ما أتى به موسى عليه السلام من المعجزات العظيمة الباهرة أخبر الله سبحانه وتعالى أنه مع مشاهدة هذه المعجزات ما آمن لموسى إلا ذرية من قومه وإنما ذكر الله عز وجل هذا تسلية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان كثير الاهتمام بإيمان قومه وكان يغتم بسبب إعراضهم عن الإيمان به واستمرارهم على الكفر والتكذيب فبين الله سبحانه وتعالى أن له أسوة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن الذي جاء به موسى عليه السلام من المعجزات كان أمراً عظيماً ومع ذلك فما آمن معه إلا ذرية.
والذرية: اسم يقع على القليل من القوم، قال ابن عباس: الذرية القليل وقيل المراد به التصغير وقلة العدد واختلفوا في هاء الكناية في قومه فقيل إنها راجعة إلى موسى وأراد بها قوم موسى وهم بنو إسرائيل الذين كانوا معه بمصر من أولاده. قال مجاهد: هم أولاد يعقوب الذين أرسل إليه موسى هلك الآباء وبقي الأبناء وقيل هم قوم نجوا من قتل فرعون لما أمر بقتل أبناء بني إسرائيل كانت المرأة في بني إسرائيل إذا ولدت ابناً وهبته لقبطية خوفاً عليه من القتل فنشؤوا بين القبط فلما كان اليوم الذي غلب موسى فيه السحرة آمنوا به، وقال ابن عباس: ذرية من قومه يعني من بني إسرائيل. وقيل: إنها راجعة إلى فرعون يعني إلا ذرية من قوم فرعون.
روى عطية عن ابن عباس قال: هم ناس يسير من قوم فرعون آمنوا منهم امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون وخازنه وامرأة خازنه وماشطة ابنته.
قال الفراء: سموا ذرية لأن آباءهم كانوا من القبط من آل فرعون وأمهاتهم من بني إسرائيل فكان الرجل يتبع أمه وأخواله في الإيمان وذلك ما يقال لأولاد فارس الذين دخلوا إلى اليمن الأبناء لأن أمهاتهم من غير جنس الآباء {على خوف فرعون وملئهم} الملأ: الأشراف فعلى هذا يكون معنى الآية على خوف من فرعون ومن أشرافهم، وهم ملأ الذرية لأنه كان آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل وقيل أراد بالملأ ملأ فرعون وإنما قال سبحانه وتعالى وملئهم بالجمع وفرعون واحد على سبيل التفخيم له {أن يفتنهم} أي يصرفهم ويصدهم عن الإيمان وإنما قال أن يفتنهم ولم يقل أن يفتنوهم لأن قوم فرعون كانوا على مراده وتابعين لأمره {وإن فرعون لعال في الأرض} يعني أنه لغالب قهار متكبر فيها {وإنه لمن المسرفين} يعني من المجاوزين الحد لأنه كان عبد اً فادعى الربوبية وكان كثير القتل والتعذيب لبني إسرائيل.


{وقال موسى} يعني لقومه {يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا} يعني. فيه فثقوا ولأمره فسلموا فإنه ناصر أوليائه ومهلك أعدائه {إن كنتم مسلمين} يعني إن كنتم مستسلمين لأمره قيل إنما أعيد قوله إن كنتم مسلمين بعد قوله إن كنتم آمنتم بالله لإرادة إن كنتم موصوفين بالإيمان القلبي وبالإسلام الظاهري ودلت الآية على أن التوكل على الله والتفويض لأمره من كمال الإيمان وأن من كان يؤمن بالله فلا يتوكل إلا على الله لا على غيره {فقالوا} يعني قال قوم موسى مجيبين له {على الله توكلنا} يعني عليه اعتمدنا لا على غيره ثم دعوا ربهم فقالوا {ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين} يعني لا تظهرهم علينا ولا تهلكنا بذنوبهم فيظنوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغياناً وكفراً وقال مجاهد: لا تعذبنا بعذاب من عندك فيقول قوم فرعون لو كانوا على حق لما عذبوا ويظنوا أنهم خير منا فيفتتنوا بذلك وقيل معناه لا تسلطهم علينا فيفتنونا {ونجنا برحمتك من القوم الكافرين} يعني وخلصنا برحمتك من أيدي قوم فرعون الكافرين لأنهم كانوا يستعبد ونهم ويستعملونهم في الأعمال الشاقة قوله عز وجل: {وأوحينا إلى موسى وأخيه} هارون {أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتاً} يعني اتخذا لقومكما بمصر بيوتاً للصلاة فيها يقال تبوأ فلان لنفسه بيتاً إذا اتخذه مباءة أي وطناً والمعنى اجعلا بمصر لقومكما بيوتاً ترجعون إليها للصلاة والعبادة {واجعلوا بيوتكم قبلة} اختلف أهل التفسير في معنى هذه البيوت والقبلة فمنهم من قال أراد بالبيوت المساجد التي يصلى فيها وفسروا القبلة بالجانب الذي يستقبل في الصلاة فعلى هذا يكون معنى الكلام واجعلوا بيوتكم مساجد تستقبلونها لأجل الصلاة وقيل معناه اجعلوا بيوتكم إلى القبلة.
واختلفوا في هذه القبلة، وظاهر القرآن لا يدل على تعيينها إلا أنه قد نقل عن ابن عباس أنه قال: كانت الكعبة قبلة لموسى وهارون، وهو قول مجاهد أيضاً قال ابن عباس: قالت بنو إسرائيل لموسى لا نستطيع أن نظهر صلاتنا مع الفراعنة فأذن الله لهم أن يصلوا في بيوتهم وأن يجعلوا بيوتهم قبل القبلة وقيل كانت القبلة إلى جهة المقدس. وقيل: أراد مطلق البيوت وعلى هذا يكون معنى قوله واجعلوا بيوتكم قبلة أي مقابلة يعني يقابل بعضها بعضاً وقيل معناه واجعلوا في بيوتكم قبلة تصلون إليها.
فإن قلت: إنه سبحانه وتعالى خص موسى وهرون بالخطاب في أول الآية بقوله سبحانه وتعالى: {وأخيه أن تبوآ لقومكما} ثم إنه عم بهذا الخطاب فقال تعالى: {واجعلوا بيوتكم قبلة} فما السبب فيه.
قلت: إنه سبحانه وتعالى أمر موسى وهارون بأن يتبوءا قومهما بيوتاً للعبادة وذلك مما يخص به الأنبياء فخصا بالخطاب لذلك.
ثم لما كانت العبادة عامة تجب على الكافة عمَّ بالخطاب الجميع فقال تعالى: {واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة} يعني في بيوتكم وذلك حين خاف موسى ومن آمن معه من بني إسرائيل من فرعون وقومه إذا صلوا في الكنائس والبيع الجامعة أن يؤذهم فأمرهم الله سبحانه وتعالى أن يصلوا في بيوتهم خفية من فرعون وقومه، وقيل: كانت بنو إسرائيل لا يصلون إلا في الكنائس الجامعة وكانت ظاهرة فلما أرسل موسى أمر فرعون بتخريب تلك الكنائس ومنعهم من الصلاة فيها فأمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلوا فيها خوفاً من فرعون.
وقيل: إن الله سبحانه وتعالى لما أرسل موسى وهارون وأظهرهما على فرعون أمرهم باتخاذ المساجد ظاهرة على رغم الأعداء وتكفل لهم بصونهم من شرهم وهو قوله سبحانه وتعالى: {وبشر المؤمنين} يعني بأنه لا يصل إليهم مكروه.
قوله سبحانه وتعالى: {وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا} لما أتى موسى عليه السلام بالمعجزات الباهرات ورأى أن القوم مصرون على الكفر والعناد والإنكار لما جاء به أخذ في الدعاء عليهم ومن حق من يدعو على الغير ان يذكر أولاً سبب إقدامه على الجرائم التي كانت سبب إصراره على ما يوجب الدعاء عليه.
ولما كان سبب كفرهم وعنادهم هو حب الدنيا وزينتها لا جرم أن موسى لما أخذ في الدعاء قدم هذه المقالة فقال {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا} والزنية عبارة عما يتزين به اللباس والدواب والغلمان وأثاث البيت الفاخر والأشياء الجميلة والمال ما زاد على هذه الأشياء من الصامت ونحوه ثم قال تبارك وتعالى: {ربنا ليضلوا عن سبيلك} اختلفوا في هذه اللام فقال الفراء: هي لام كي فعلى هذا يكون المعنى ربنا إنك جعلت هذه الأموال سبب لضلالهم لأنهم بطروا وطغوا في الأرض واستكبروا عن الإيمان.
وقال الأحفش: إنما هي لما يؤول إليه الأمر والمعنى إنك أتيت فرعون وملأه زينة في الحياة الدنيا فضلوا فعلى هذا هي لام العاقبة يعني فكان عاقبتهم الضلال، وقال ابن الأنباري: هي لام الدعاء وهي لام مكسورة تحزم المستقبل ويفتتح بها الكلام فيكون المعنى ربنا إنك ابتليتهم بالضلال عن سبيلك {ربنا اطمس على أموالهم} الطمس: إزالة أثر الشيء بالمحو. ومعنى اطمس على أموالهم أزال صورها وهيئاتها. وقال مجاهد: أهلكها وقال أكثر المفسرين: امسخها وغيرها عن هيئتها، قال قتادة: بلغنا أن أموالهم وحروثهم وزروعهم وجواهرهم صارت حجارة، وقال محمد بن كعب القرظي: صارت صورهم حجارة وكان الرجل مع أهله في فراشه فصار حجرين والمرأة قائمة تخبز فصارت حجراً وهذا فيه ضعف لأن موسى عليه السلام دعى على أموالهم ولم يدع على أنفسهم بالمسخ. وقال ابن عباس: بلغنا أن الدراهم والدنانير صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحاً وأنصافاً وأثلاثاً.
وقيل إن عمر بن عبد العزيز دعا بخريطة فيها شيء من بقايا آل فرعون فأخرج منها البيضة منقوشة والجوزة مشقوقة وهي حجارة. قال السدي: مسخ الله أموالهم حجارة النخل والثمار والدقيق والأطعمة هذا الطمس هو أحد الآيات التسع التي أوتيها موسى عليه السلام {واشدد على قلوبهم} يعني اربط على قلوبهم واطبع عليها وقسها حتى لا تلين ولا تنشرح للإيمان ومعنى الشد على القلوب الاستيثاق منها حتى لا يدخلها الإيمان؛ قال الواحدي: وهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى يفعل ذلك لمن يشاء ولولا ذلك لما جسر موسى عليه السلام على هذا السؤال {فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم} يعني الغرق قاله ابن عباس وقال ابن عباس في رواية أخرى عنه: قال موسى قبل أن يأتي فرعون ربنا اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم فاستجاب الله له دعاءه فحال بين فرعون وبين الإيمان حتى أدركه الغرق فلم ينفعه الإيمان.
قال بعض العلماء: إنما دعا عليهم موسى بهذا الدعاء لما علم أن سابق قضاء الله وقدره فيهم أنهم لا يؤمنون ذلك أن الله سبحانه وتعالى كتب عليهم في الأزل أنهم لا يؤمنون فوافق دعاء موسى ما قدر وقضى عليهم.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10